الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد
.تفسير الآية رقم (53): {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)}(53)- ثُمَّ قَالَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ: وَإِنِّي لا أُبْرِيءُ نَفْسِي مِنَ التَّفْكِيرِ بِالسُّوءِ، لأَنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِهِ، وَكُلُّ نَفْسٍ تُفَكِّرُ بِالسُّوءِ إِلاًّ النَّفْسَ التِي عَصَمَهَا اللهُ مِنْ ذَلِكَ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ..تفسير الآية رقم (54): {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)}(54)- فَلَمَّا تَحَقَّقَ المَلِكُ مِنْ بَرَاءَةِ يُوسُفَ قَالَ لأَصْحَابِهِ: أَحْضِرُوهُ إِليَّ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَجْعَلَهُ مِنْ خَاصَّتِي أَسْتَخْلِصُهُ لِنَفْسِي. فَلَمَّا جِيءَ بِيُوسُفَ، وَتَحَدَّثَ المَلِكُ إِلَيْهِ، وَعَرَفَ فَضْلَهُ. وَحُسْنَ رَأْيِهِ، وَكَانَ عَرَفَ حُسْنَ خُلُقِهِ، وَسِيرَتِهِ، وَطَهَارَةَ نَفْسِهِ، قَالَ لَهُ: إِنَّكَ عِنْدَنَا ذُو مَكَانَةٍ سَامِيَّةٍ، وَأَمَانَةٍ تَامَّةٍ، فَأَنْتَ غَيْرُ مُنَازِعٍ فِي تَصَرُّفِكَ، وَلا مُتَّهَمٍ فِي أَمَانَتِكَ.مَكِينٌ- ذُو مَكَانَةٍ رَفِيعَةٍ وَنُفُوذٍ وَأَمْرٍ..تفسير الآية رقم (55): {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)}{خَزَآئِنِ}(55)- فَقَالَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلْمَلِكِ: اجْعَلْنِي حَافِظاً عَلَى خَزَائِنِ مُلْكِكَ، فَإِنِّي خَازِنٌ أَمِينٌ شَدِيدُ الحِفْظِ، فَلا يَضِيعُ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنِّي ذُو عِلْمٍ وَذُو بَصِيرَةٍ بِمَا أَقُومُ بِهِ مِنَ الأَعْمَالِ..تفسير الآية رقم (56): {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)}(56)- وَقَدْ قَبِلَ المَلِكُ عَرْضَ يُوسُفَ، فَجَعَلَهُ المَلِكُ وَزِيراً. وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنَّهُ مَكَّنَ بِذَلِكَ لِيُوسُفَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، يَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَإِنَّهُ تَعَالَى يُصِيبُ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَلا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ، الذِينَ أَحْسَنُوا العَمَلَ، وَإِنَّهُ لَمْ يُضِعْ صَبْرَ يُوسُفَ عَلَى أَذَى إِخْوَتِهِ، وَصَبْرَهُ فِي السِّجْنِ.يَتَبَوَّأُ مِنْهَا- يَتَّخِذُ مِنْهَا مَبَاءَةً وَمَنْزِلاً..تفسير الآية رقم (57): {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)}{الآخرة} {آمَنُواْ}(57)- وَإِنَّ مَا ادَّخَرَهُ اللهُ تَعَالَى لِيُوسُفَ فِي الآخِرَةِ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِمَّا أَعْطَاهُ فِي الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ يَجْزِي اللهُ الذِينَ آمَنُوا وَاتَّقَوْا..تفسير الآية رقم (58): {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)}(58)- لَمَّا تَسَلَّمَ يُوسُفُ الإِدَارَةَ فِي مِصْرَ، أَخَذَ فِي جَمْعِ الغِلالِ وَادِّخَارِهَا، ثُمَّ جَاءَتِ السَّنَواتُ العِجَافُ المُجْدِبَةُ الشِّدَادُ، التِي تَوَقَّعَهَا، فَأَصَابَتْ مِصْرَ وَفِلَسْطِينَ (بِلادَ كَنْعَانَ) فَأَخَذَ النَّاسُ يَأْتُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ إِلَى مِصْرَ لِلْحُصُولِ عَلَى المِيرَةِ لِعِيَالِهِمْ، فَكَانَ يُوسُفُ لا يُعْطِي الرَّجُلَ أَكْثَرَ مِنْ حِمْلِ بَعِيرٍ فِي العَامِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ وَرَدُوا عَلَيْهِ فِي طَلَبِ المِيرَةِ إِخْوَتِهِ لأَبِيهِ، إِذْ بَلَغَهُمْ أَنَّ عَزِيزَ مِصْرَ يُعْطِي النَّاسَ الطَّعَامَ بِثَمَنِهِ، فَأَخَذُوا مَعَهُمْ بِضَاعَةً يَعْتَاضُونَ بِهَا طَعَاماً. وَكَانُوا عَشَرَةَ أَشْخَاصٍ، إِذْ أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يُرْسِلْ مَعَهُمْ ابْنَهُ الأَصْغَرَ شَقِيقَ يُوسُفَ، فَدَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي كُرْسِيِّ الحُكْمِ، فَعَرَفَهُمْ، وَهُمْ لا يَعْرِفُونَهُ، لأَنَّهُ كَانَ قَدْ تَغَيَّرَ شَكْلاً، إِذْ تَرَكُوهُ صَبِيّاً وَأَتَوْهُ كُهْلاً، وَلأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَتَوَقَّعُونَ أَنْ يَكُونَ صَارَ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ حَالِهِمْ وَمِنْ أَيْنَ جَاؤُوا. فَقَالُوا: إِنَّهُمْ أَتَوْا مِنْ بِلادِ كَنْعَانَ، وَأَبُوهُمْ نَبِيُّ اللهِ يَعْقُوبُ. قَالَ: وَهَلْ لَهُ أَوْلادٌ غَيْرُكُمْ؟ قَالُوا نَعْمَ، كُنَّا اثْنَي عَشَرَ رَجُلاً هَلَكَ وَاحِدٌ مِنَّا فِي البَرِّيَّةِ، وَبَقِيَ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ اسْتَبْقَاهُ عِنْدَهُ يَتَسَلَّى بِهِ عَنْهُ. فَأَكْرَمَهُمْ يُوسُفُ.وَقِيلَ إِنَّهُمْ سَأَلُوهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ حِمْلَ بَعِيرٍ لأَخِيهِمْ وَأَبِيهِمْ لأَنَّهُمَا لا بُدَّ لَهُمَا مِنَ الطَّعَامِ، فَجَهَّزَ لَهُمْ بَعِيرَيْنِ لأَخِيهِمْ وَأَبِيهِمْ. وَقَالَ لَهُمْ: ائْتُونِي بِأَخِيكُمْ هَذا لأَرَاهُ وَأَتَأَكَّدَ مِنْ صِدْقِكُمْ..تفسير الآية رقم (59): {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59)}(59)- وَأَوْفَى لَهُمْ كَيْلَهُمْ، وَحَمَلَ لَهُمْ أَحْمَالَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: ائْتُونِي فِي المَرَّةِ القَادِمَةِ بِأَخِيكُمْ هَذا الذِي ذَكَرْتُمْ لأَعْلَمَ صِدْقَكُمْ فِيمَا زَعَمْتُمْ، وَأَخَذَ فِي تَرْغِيبِهِمْ فِي الرُّجُوعِ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أَوفِي الكَيْلَ حَقَّهُ، وَأَنَا أَكْرَمُ مَنْ أَنْزَلَ ضَيْفاً.فَقَدْ أَحْسَنَ ضِيَافَتَهُمْ، وَجَهَّزَهُمْ بِالزَّادِ الكَافِي لَهُمْ مُدَّةَ سَفَرِهِمْ.جَهَّزَهُمْ بِجِهَازِهِمْ- أَعْطَاهُمْ مَا هُمْ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ..تفسير الآية رقم (60): {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60)}(60)- وَهَدَّدَهُمْ يُوسُفُ بِأَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَأْتُوا بِأَخِيهِمْ مَعَهُمْ فَإِنَّهُ سَيَمْنَعُ عَنْهُمْ الِميرَةَ فِي المَرَّةِ القَادِمَةِ..تفسير الآية رقم (61): {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61)}{سَنُرَاوِدُ} {لَفَاعِلُونَ}(61)- قَالُوا: سَنَحْرِصُ عَلَى أَنْ نَأْتِيَ بِهِ، وَسَنُحَاوِلُ إِقْنَاعَ أَبِيهِ لِيُرْسِلَهُ مَعَنَا، لِتَعْلَمَ أَنَّنَا صَادِقُونَ فِيمَا قُلْنَاهُ..تفسير الآية رقم (62): {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)}{لِفِتْيَانِهِ} {بِضَاعَتَهُمْ}(62)- وَقَالَ يُوسُفُ لِغِلْمَانِهِ: اجْعَلُوا البِضَاعَةَ التِي قَدِمُوا بِهَا لِيَمْتَارُوا عِوَضاً عَنْهَا، فِي أَمْتِعَتِهِمْ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ، حَتَّى إِذَا رَجَعُوا إِلَى أَهْلِهِمْ، وَوَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ مَعَهُمْ، عَادُوا يَمْتَارُونَ بِهَا مَرَّةً أُخْرَى، فَقَدْ خَشِيَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلامُ، أَنْ لا تَكُونَ لَدَيْهِمْ بِضَاعَةُ غَيْرُها يَأْتُونَ بِهَا فِي المَرَّةِ القَادِمَةِ.(وَقِيلَ بَلْ إِنَّ المَعْنَى هُوَ: أَنَّهُمْ إِذَا رَجَعُوا، وَوَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي مَتَاعِهِمْ يُدْرِكُونَ أَنَّ عَلَيْهِم العَوْدَةَ إِلَى مِصْرَ لِرَدِّهَا تَحَرُّجاً مِنْ أَكْلِ المَالِ الحَرَامِ.كَمَا قِيلَ أَيْضاً بَلِ المَعْنَى: لِكَيْ يَعْرِفُوا لِيُوسُفَ حَقَّ إِكْرَامِهِمْ بِإِعَادَتِهَا إِلَيْهِمْ، وَجَعَلَ مَا أَعْطَاهُمْ مِنَ الغَلَّةِ مَجَّاناً بِلا ثَمَنٍ فَيَرْجِعُونَ طَمَعاً فِي بِرِّ يُوسُفَ، فَإِنَّ العَوَزَ إِلَى القُوتِ مِنْ أَقْوَى الدَّواعي إلى رُجُوعِهِمْ).بِضَاعَتَهُمْ- ثَمَنَ مَا اشْتَرَوْهُ مِنْ طَعَامٍ.رِحَالِهِمْ- أَوْعِيَتِهِمْ التي يَضَعُونَ فِيهَا الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ..تفسير الآية رقم (63): {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63)}{ياأبانا} {لَحَافِظُونَ}(63)- فَلَمَّا عَادُوا إِلَى أَبِيهِمْ يَعْقُوبَ، عَلَيْهِ السَّلامُ، بِالمِيرَةِ أَعْلَمُوهُ بِقِصَّتِهِمْ مَعَ عَزِيزِ مِصْرَ، وَمَا لَقُوْهُ مِنْهُ مِنْ إِكْرَامٍ، وَقَالًوا: إِنَّ عَزِيزَ مِصْرَ أَنْذَرَهُمْ بِمَنْعِ المِيرَةِ عَنْهُمْ فِي المَرَّةِ القَادِمَةِ إِنْ لَمْ يَأْتُوا مَعَهُمْ بِأَخِيهِمِ الأَصْغَرِ، وَقَالُوا لَهُ: أَرْسِلْهُ مَعَنَا نَكْتَلْ وَنَحْصَلْ عَلَى المِيرَةِ بِحَسَبِ عَدَدِنَا، وَبِذَلِكَ نَكُونُ قَدْ وَفَّيْنَا بِمَا شَرَطَ العَزِيزُ عَلَيْنَا، وَإِنَّنَا نَعِدُكَ بِأَنَّنَا سَنَحْفَظُهُ لَكَ إِنْ شَاءَ اللهُ..تفسير الآية رقم (64): {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)}{آمَنُكُمْ} {حَافِظاً} {الراحمين}(64)- فَقَالَ لَهُمْ أَبُوهُمْ: هَلْ أَنْتُمْ صَانِعُونَ بِهِ إِلا كَمَا صَنَعْتُمْ بِأَخِيهِ يُوسُفَ مِنْ قَبْلُ؟ وَلَكِنَّ اللهَ خَيْرُ حَافِظٍ، وَأَنَا أَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ فِي حِفْظِ هَذا الصَّغِيرِ لا عَلَى حِفْظِكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، سَيَرْحَمُ كِبَرِي وَضَعْفِي..تفسير الآية رقم (65): {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)}{مَتَاعَهُمْ} {بِضَاعَتَهُمْ} {ياأبانا} {بِضَاعَتُنَا}(65)- وَلَمَّا فَتَحَ إِخْوَةُ يُوسُفَ مَتَاعَهُمْ، وَالأحْمَالَ التِي جَاؤُوا بِهَا مِنْ مِصْرَ، وَجَدُوا البِضَاعَةَ التِي ذَهَبُوا بِهَا إِلَى مِصْرَ لِيَمْتَارُوا بِهَا بَيْنَ مَتَاعِهِمْ، فَقَالُوا لأَبِيهِمْ: مَاذَا نَطْلُبَ وَرَاءَ مَا وَصَفْنَا لَكَ مِنْ إِحْسَانِ المَلِكِ إِلَيْنَا، وَكَرَمِهِ الذِي يُوجِبُ عَلَيْنَا امْتِثَالَ أَمْرِهِ، فَقَدْ أَوْفَى العَزِيزُ لَنَا الكَيْلَ، وَرَدَّ بِضَاعَتَنَا إِلَيْنَا، فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا، وَسَنَحْصُلُ عَلَى المِيرَةِ لأَهْلِنَا، وَنَحْفَظُ أَخَانَا مِنْ أَنْ يُصِيبَهُ مَكْرُوهُ، وَنَحْصلُ عَلَى حِملِ بَعِيرٍ زِيَادَةً عَنِ المَرَّةِ السَّابِقَةِ، لأَنَّ المَلِكَ يُعْطِي لِكُلِّ شَخْصٍ حِمْلَ بَعِيرٍ، وَهُوَ أَمْرٌ سَهْلٌ يَسيرُ لا صُعُوبَةَ فِيهِ لَدَى مَلِكِ مِصْرَ.نَمِيرُ أَهْلَنَا- نَجْلُبُ لَهُمُ المِيرَةَ وَالطَّعَامَ مِنْ مِصْرَ.مَتَاعَهُمْ- طَعَامَهُمْ أَوْ رِحَالَهُمْ.مَا نَبْغِي- مَا نَطْلُبُ مِنَ الإِحْسَانِ بَعْدَ ذَلِكَ..تفسير الآية رقم (66): {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)}{آتَوْهُ}(66)- فَقَالَ لَهُمْ أَبُوهُمْ: لَنْ أُرْسِلَ أَخَاكُمُ الصَّغِيرَ مَعَكُمْ حَتَّى تُعْطُونِي عَهْداً مُوَثَّقاً بِتَأْكِيدِهِ بِإِشْهَادِ اللهِ عَلَيْهِ، وَبالقَسَمِ بِهِ، لَتَعَودُنَّ بِهِ مَعَكُمْ إِلا أَنْ تَتَعَرَّضُوا جَمِيعاً لأَمْرٍ لا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَلا تَقْدِرُونَ جَمِيعاً عَلَى تَخْلِيصِهِ، فَلَمَّا حَلَفُوا لَهُ قَالَ: اللهُ وَكِيلٌ وَشَاهِدٌ عَلَى مَا نَقُولُ إِذْ إِنَّ يَعْقُوبَ لَمْ يَجِدْ بُدَاً مِنْ إِرْسَالِهِ مَعَهُمْ لِيَأْتُوا بِالمِيرَةِ لأَهْلِهِمْ.موْثِقاً- عَهْداً مُؤَكَّداً بِاليَمِينِ يُوثَقُ بِهِ.يُحَاطَ بِكُمْ- تُغْلَبُوا وَتَهْلِكُوا جَمِيعاً.وَكِيلٌ- مُطَّلِعٌ وَرَقِيبٌ..تفسير الآية رقم (67): {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)}{يابني} {وَاحِدٍ} {أَبْوَابٍ}(67)- وَأَمَرَ يَعْقُوبُ بَنِيهِ بِأَنْ لا يَدْخُلُوا، حِينَما يَصِلُونَ إِلَى مِصْرَ، مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ لِكَيْلا يُلْفِتُوا الأَنْظَارَ إِلَيْهِمْ، وَأَنْ يَدْخُلُوا مِنْ أَبَوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ، لأَنَّهُ خَشِيَ عَلَيهِمْ العَيْنَ إِنْ دَخَلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ ذلِكَ مِنْ بَابِ الاحْتِرَازِ، لأَنَّ قَدَرَ اللهِ نَافِذٌ، وَقَضَاءَهُ لا يَرُدُّهُ شَيءٌ بِغَيرِ إِرَادَتِهِ وَمِشِيئَتِهِ، وَعَلَى المُؤْمِنِ أَنْ يُعِدَّ العُدَّةَ لِلأَمْرِ الذِي يَبْغِيهِ، وَيَبْذُلَ جُهْدَهُ، وَيَكِلَ أَمْرَ النَّجَاحِ إِلَى اللهِ، وَيَطْلُبَ مِنْهُ المَعُونَةَ وَالتَّوْفِيقَ..تفسير الآية رقم (68): {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)}{قَضَاهَا} {عَلَّمْنَاهُ}(68)- وَلَمَّا دَخَلُوا مِنَ الأَبْوَابِ المُتَفَرِّقَةِ، كَمَا أَوْصَاهُمْ أَبُوهُمْ بِهِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الدُّخُولُ لِيَمْنَعَ عَنْهُمْ شَيْئاً مِنْ قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَيَعْقُوبُ يَعْرِفُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ حَاجَةٌ لَمْ يُخْبِرْ أَوْلادَهُ بِهَا، قَضَاهَا بِهَذِهِ الوَصِيَّةِ، وَهِيَ خَوْفُهُ عَلَيْهِمْ مِنَ العَيْنِ، وَمِنْ أَنْ يَنَالَهُمْ مَكْرُوهٌ، مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ، وَهُوَ ذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمَهُ اللهُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أَنَّ الوَاجِبَ يَقْضِي بِالجَمْعِ بَيْنَ الإِعْدَادِ لِلأُمُورِ عُدَّتَهَا وَالاحْتِرَازِ، وَبَيْنَ الاتِّكَالِ عَلَى اللهِ.
|